عوامل النمو و أسسه
خضع النمو الإنساني لسلسلة من المبادئ والعوامل المتداخلة التي توجه سيرورته منذ التكوين الجنيني حتى نهاية الحياة.
وقد يكون النمو ناتجًا عن عوامل فطرية داخلية أو عن مؤثرات خارجية مكتسبة، كما أنه قد يُمثّل نتيجة للتفاعل بين النضج والتعلّم، أو ثمرة تطورات كمية وكيفية في البنية الجسدية والنفسية للفرد.
يتّفق الباحثون على أن العوامل الوراثية تساهم في تحديد الخصائص البيولوجية الأساسية للفرد مثل لون العينين والشعر والطول والوزن، كما ترتبط ببعض الاضطرابات العقلية كالإعاقة الذهنية (المنغولية).
وقد أشار أحمد أوزي إلى أن الكائن الإنساني يرث 46 كروموزومًا (23 من كل والد)، وهي التي تُحدد بنيته الوراثية وصفاته الجسمية والعصبية، بل وتُفسر تفاوت الاستعدادات الفردية بين الأشخاص.
أما من جهة البيئة، فيُقصد بها مجمل المثيرات المحيطة بالفرد والمؤثرة في تفاعله وخبراته، منذ المرحلة الجنينية إلى الوفاة. وهي بيئة دينامية، تتشكل من الأسرة، والمحيط الثقافي، والوضع الاجتماعي، وعلاقات الطفل داخل الأسرة أو مع جماعات الأقران.
وفي هذا السياق، يمكن القول إن الفروق بين الأفراد (في الذكاء، الشخصية، السلوك…) ليست ناجمة فقط عن الوراثة أو البيئة، بل عن تفاعل معقّد بينهما.
وتُظهر التجارب أن:
• بعض الفروق (مثل لون العينين) تُعزى للوراثة وحدها.
• وفروق أخرى (مثل الاتجاهات والميولات) تُفسَّر بالبيئة.
• في حين أن صفات مثل الذكاء أو الشخصية تعود إلى تأثير مشترك بين العاملين.
كما تتأثر شخصية الطفل ونموه بعدة عناصر مثل:
• ترتيبه داخل الأسرة (الابن الأكبر أو الأصغر).
• أساليب التنشئة الاجتماعية التي يعتمدها الوالدان (الديمقراطية، السلطوية…).
• مستوى نضج الأبوين وقدرتهما على توفير بيئة آمنة ومتوازنة.
• المستوى الثقافي والمادي للأسرة، بما يؤثر على التغذية، والتنشئة، وفرص التعلم.
• الثقافة العامة أو الفرعية التي ينتمي إليها الطفل، بما تحمله من قيم، واتجاهات، وتمثلات عن الذات والعالم.
إن الثقافة والوسط الاجتماعي يوجهان اتجاهات الفرد ويحددان نظرته للعالم. فالنمو لا يحدث في فراغ، بل يتشكّل في قلب منظومة معقدة من المؤثرات الوراثية، الأسرية، الاجتماعية، الثقافية والتربوية.
وبذلك، يُصبح النمو سيرورة فريدة لكل فرد، تتشكل في تفاعل دائم بين الداخل الفطري والخارج المكتسب، في علاقة تكامل وتوتر مستمرين.