التنشئة الاجتماعية ودور الفاعلين الاجتماعيين بها
تُعرف التنشئة الاجتماعية (Socialisation) بأنها عملية تطبيع اجتماعي تهدف إلى إدماج الفرد في المجتمع من خلال التعلم والتعليم والتربية والتهذيب، عبر التفاعل مع المحيط والتمثّل التدريجي للقيم والمعايير والمُثل الجماعية، بما يُسهم في تحقيق الاندماج الاجتماعي والتوافق.
وتهدف هذه العملية إلى اكتساب الفرد (طفلًا ثم مراهقًا فرشدًا فشيخًا) لسلوكيات واتجاهات تُؤهّله لأداء أدواره داخل الجماعة، وتحقيق تكيّف مستمر مع محيطه، وهي لا ترتبط فقط بالصغار، بل أصبحت اليوم عملية مستمرة تمسّ جميع مراحل الحياة.
تشترك سوسيولوجيا التربية مع علوم متعددة في دراسة التنشئة الاجتماعية، من ضمنها علم النفس الاجتماعي، علم النفس النمائي، الأنثروبولوجيا، الصحة النفسية…
ويُنظر إلى التنشئة الاجتماعية على أنها السبيل الذي ينتقل من خلاله الإنسان من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي ثقافي، يكتسب إنسانيته الحقيقية عبر اللغة، والقيم، والعادات، والمسؤوليات.
تنوّع أشكال التنشئة والعوامل المؤثرة فيها
تختلف أنماط التنشئة الاجتماعية باختلاف البيئات الاجتماعية والثقافية: بين الحضر والبدو، أو بين المناطق الصناعية والزراعية، بل حتى داخل المجتمع الواحد، تبعًا للفوارق الطبقية والمجالية.
ومن أهم العوامل المؤثرة فيها:
• العوامل الوراثية والبيولوجية
• البيئة الاجتماعية والمناخ الأسري
• المدرسة ووسائل الإعلام
• جماعة الرفاق، المؤسسات الدينية، النقابات، الأحزاب…
وتتم عبر آليات متعددة: التقليد، التقمص، التعلم من النماذج، التفاعل، التكرار، العقاب، والمكافأة.
التنشئة الاجتماعية والمدرسة
تلعب المدرسة دورًا محوريًا في التنشئة الاجتماعية، إذ تُعتبر – حسب منظور إميل دوركايم – فضاءً للتربية الأخلاقية والإدماج الاجتماعي، حيث يُلقّن الأفراد قواعد الحياة الجماعية، ويتمثلون القيم والمعايير الاجتماعية.
ويؤكد دوركايم على أن وظيفة المدرسة تكمن في الحفاظ على توازن المجتمع، وتأهيل الأفراد ليكونوا مستقلين وفاعلين، مندمجين في الجماعة، دون المساس بثوابتها.
أما بيير بورديو، فيرى أن المدرسة تُعيد إنتاج البُنى الاجتماعية القائمة من خلال التنشئة المعيارية، وتكريس الفوارق الطبقية عبر ما يسميه بـ “رأس المال الثقافي” و“العنف الرمزي”.
وفي نظره، الأفراد داخل المؤسسة التعليمية هم نتاج لموقعهم الطبقي والاجتماعي، ويُعاد إنتاج هذا الموقع بوسائل تبدو محايدة ظاهريًا، لكنها محملة بالتفاوتات البنيوية.
نحو فهم سوسيولوجي شامل للتنشئة
تؤكد سوسيولوجيا التربية على أهمية إعادة التطبيع الاجتماعي (resocialisation) في حالات الاختلال، وتُحلّل العوائق التي قد تعترض مسار التنشئة، مثل:
• التفكك الأسري
• العنف الرمزي داخل المؤسسات
• غياب العدالة الاجتماعية
• انسداد الأفق التربوي
وفي ضوء ما سبق، فإن التنشئة الاجتماعية ليست مجرد عملية تعليم سلوكي، بل هي بناء إنساني مستمر، يتم عبر مؤسسات متعددة ومتداخلة، وتهدف إلى إعداد الفرد للمشاركة في مشروع المجتمع، مع ما يتطلبه ذلك من مرونة، عقلانية، وقيم إنسانية مشتركة.