التعلم في منظور المدرسة الجشطلتية
تُعد نظرية الجشطلت (Gestalt)، والتي تعني في الألمانية “الشكل” أو “الصيغة” أو “النسق الكلي”، من النظريات السيكولوجية التي أحدثت تحولًا معرفيًا في فهم التعلم والإدراك. وقد تأسست هذه المدرسة في ألمانيا بين عامي 1910 و1920، على يد علماء نفس بارزين، من أبرزهم ماكس فرتهايمر، كورت كوفكا، وفولفغانغ كوهلر.
المنطلقات النظرية
ترتكز النظرية الجشطلتية على مبدأ أن الظواهر النفسية، بما فيها الإدراك والتعلم، لا تُفهم من خلال تجزئتها إلى عناصر بسيطة، بل من خلال النظر إليها كوحدات كلية منظمة. ويُعد الإدراك، وفق هذا التصور، عملية إدراكية لهيئات كلية تحتوي في طياتها على أجزائها، حيث يتم إدراك الكل أولاً، ثم تتضح الجزئيات في ضوء هذا الكل.
التعلم بالاستبصار والإدراك
ترى الجشطلتية أن التعلم لا يتم عن طريق التكرار أو المحاولة والخطأ كما تدعي السلوكية، بل يتم من خلال الاستبصار (Insight)، أي الفهم المفاجئ والمنظم لعناصر الوضعية أو المشكلة، مما يتيح الوصول إلى الحل بشكل واعٍ وفعال. ويُعد هذا الاستبصار ناتجًا عن إدراك المجال الكلي وترتيب مكوناته بطريقة منطقية.
وقد أظهر كوهلر ذلك من خلال تجاربه على القردة (وخاصة الشامبانزي)، حيث لاحظ أن الحيوان لا يتصرف بعشوائية، بل يحلل الوضعية ويعيد تنظيمها حتى يصل إلى الحل الأمثل.
قوانين الإدراك الجشطلتية
يعتمد الإدراك الجشطلتـي على عدد من المبادئ البنيوية التي تفسر تنظيم المجال الإدراكي، من بينها:
• قانون التماثل: الميل إلى إدراك الأشكال المتشابهة كوحدات كلية.
• قانون التقارب: الأشياء المتقاربة مكانيا تُدرك كوحدة واحدة.
• قانون التشابه: العناصر المتشابهة تُنظر إليها على أنها جزء من نفس الشكل.
• قانون الإغلاق: الميل إلى إكمال الأشكال الناقصة إدراكيا.
• قانون الاستمرار: الميل إلى إدراك العناصر في خطوط أو منحنيات مستمرة.
القيمة التربوية للنظرية الجشطلتية
تؤكد الجشطلتية على أهمية التنظيم الإدراكي في عمليتي التعلم والتعليم، من خلال تقديم الوضعيات التعليمية في صورة كلية منسقة تساعد المتعلم على اكتشاف الحلول بالاستبصار. كما ترفض التعليم القائم على التجزئة والميكانيكية، داعية إلى توفير بيئة تعليمية غنية بالمثيرات، تُمكن المتعلم من الإدراك العميق والمعالجة الذهنية النشطة.
خلاصة
تنتمي النظرية الجشطلتية إلى تيارات السيكولوجيا المعرفية، حيث تركز على العمليات العقلية الداخلية في تفسير التعلم، وتعلي من شأن الاستبصار والذكاء في إدراك العلاقات داخل النسق الكلي. وبهذا، تُمثل الجشطلتية بديلاً معرفيًا للسلوكية، وتُسهم في فهم أعمق للكيفية التي يتعلم بها الإنسان من خلال البنية، والشكل، والتنظيم.