تصنيف علوم التربية

   تتنوّع تصنيفات علوم التربية بتنوّع المرجعيات الفكرية والنظرية التي تؤطرها. وحتى في حال اعتماد تصنيف موحد، فإنه سرعان ما يفقد صلاحيته أمام الدينامية المتسارعة التي تعرفها الظاهرة التربوية، والتي تشهد تطورًا وتغيّرًا مستمرين.

   ومع ذلك، يمكن الاستئناس بالتصنيف الذي اقترحه غاستون ميلاري سنة 1984، نظرًا لأهميته وملاءمته للتطورات التي عرفها البحث العلمي في ميدان التربية.

   يُعرّف “غ. ميلاري” علوم التربية على أنها:

“مجموعة من المواد التي تدرس شروط وجود الوضعيات التربوية، وآليات اشتغالها، وتطورها.”

  ويعتبر أن “الوضعية التربوية” هي السياق الذي ينشأ فيه الفعل التربوي، وتمتاز بالخصائص التالية:

    • تتطلّب وجود شخصين على الأقل.
    • يمكن أن تحدث في فضاءات مختلفة، مثل: الأسرة، المدرسة، أو الشارع…
    • قد تكون وضعية دائمة وثابتة، أو مؤقتة وعرضية.
    • تؤثر في المشاركين فيها، وتستلزم منهم نشاطًا معينًا.

   يتبيّن من هذا التعريف أن الوضعية التربوية، باعتبارها إطارًا منظمًا للنشاط التربوي، تُعد معطًى معقدًا للغاية، سواء من حيث ما يدور داخلها من تفاعلات وأنشطة وعمليات، أو من حيث العوامل الخارجية التي تؤثر فيها. ولهذا، فإن دراستها تستوجب التطرق إلى ثلاث جوانب أساسية:

 

  أولاً: على مستوى شروط وجود الوضعية التربوية

   تهتم علوم التربية في هذا المستوى بدراسة العوامل والظروف الخارجية المؤثرة على الوضعية     التربوية، والتي يمكن تصنيفها إلى نوعين:

    • الظروف العامة: وهي تلك التي تؤثر في النشاط التربوي بصفة شاملة، وتشمل خصائص المجتمع التاريخية والسياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى التوجيهات الرسمية المتعلقة بالمقررات الدراسية، والمناهج، والبرامج، والطرق والتقنيات البيداغوجية العامة، وكذا القواعد المعتمدة في بناء المؤسسات التربوية وتجهيزها، والنظام العام الخاص بتوظيف وتكوين الأطر التربوية والتعليمية.
    • الظروف المحلية: وتتعلق بالعوامل الخاصة بالبيئة المباشرة التي تحتضن المؤسسة التربوية، كطبيعة الوسط (قرية أو مدينة)، والخصائص المادية والبشرية للمؤسسة نفسها، ومدى توفر التجهيزات، إلى جانب طبيعة الفريق التربوي العامل بها، وانسجامه، وأساليب اشتغاله.

 

 

ثانيًا: على مستوى أنماط اشتغال الوضعية التربوية

   تهتم علوم التربية في هذا المستوى بدراسة كيفية اشتغال الوضعية التربوية، أي الفعل التربوي نفسه، والعلاقة التي تربط بين مختلف أطرافه. ويهدف هذا البحث إلى تحقيق فهم أعمق لسيرورة العملية التربوية، انطلاقًا من الأهداف التربوية المحددة سلفًا.

   ويقترح غاستون ميالاري تسمية هذا المجال من الدراسة بـ “العلوم البيداغوجية”، حيث يشمل مجموعة من الفروع العلمية المتخصصة، من أبرزها:

      • فيزيولوجيا التربية
      • سيكولوجيا التربية
      • سيكوسوسيولوجيا التربية
      • علوم الاتصال
      • علم التدريس
      • علم الطرائق والتقنيات البيداغوجية
      • علم الامتحانات والتقويم التربوي

 

 

 

ثالثًا: على مستوى إمكانيات تطوير الوضعية التربوية

   في هذا المستوى، تهتم علوم التربية بدراسة سبل تطوير الوضعية التربوية، انطلاقًا من معايير وقيم محددة. وتتميّز الدراسات في هذا السياق بطابعها التأملي والنظري، إذ لا تنصب على تحليل الوضعية التربوية كما هي في الواقع، بل تنشغل بتصورها كما ينبغي أن تكون في المستقبل.

   وتُدرج ضمن هذا المستوى مجموعة من العلوم، أهمها:

    • فلسفة التربية
    • التخطيط التربوي
    • علم البرامج والنماذج التربوية